فصل: تفسير الآية رقم (134):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- {ومن يرغب} استفهام يراد به الإنكار والتقريع، وقع فيه معنى النفي أي لا يرغب عن ملة إبراهيم إلا السفيه الأحمق، والجملة واردة مورد التوبيخ للكافرين.
2- التأكيد بإن واللام {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} لأنه لما كان إخبارًا عن حالة مغيبة في الآخرة، احتاجت إلى تأكيد، بخلاف حال الدنيا فإنه معلوم ومشاهد.
3- {إذ قال له ربه أسلم} هو من باب الالتفاف إذ السياق {إذ قلنا} والالتفات من محاسن البيان، والتعرض بعنوان الربوبية {ربه} لإظهار مزيد اللطف والاعتناء بتربيته، كما أن جواب إبراهيم جاء على هذا المنوال {أسلمت لرب العالمين} ولم يقل: أسلمت لك للإيذان بكمال قوة إسلامه، وللإشارة إلى أن من كان ربًا للعالمين، لا يليق إلا أن يتلقى أمره بالخضوع وحسن الطاعة.
4- قوله: {آبائك} شمل العم، والأب، والجد، فالجد إبراهيم، والعم إسماعيل، والأب إسحاق، وهو من باب التغليب وهو من المجازات المعهودة في فصيح الكلام. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)}.
{أم} في أم هذه ثلاثة أقوال:
أحدها وهو المشهور: أنها منقطعة والمنقطعة تقدر ببل، وهمزة الاستفهام. وبعضهم يقدرها ببل وحدها، ومعنى الإضراب انتقال من شيء إلى شيء لا إبطال. ومعنى الاستفهام الإنكار والتوبيخ فيؤول معناه إلى النفي، أي: بل أكنتم شهداء يعنى لم تكونوا. الثاني: أنها بمعنى همزة الإستفهامن وهو قول ابن عطية والطبري، إلا أنهما اختلفا في محلها. فإن ابن عطية قال: و{أم} تكون بمعنى ألف الاستفهام في صدر الكلام، لغة يمانية.
وقال الطبري: إن أم يستفهم بها وسط كلام قد تقدم صدره.
قال أبو حيان في قول ابن عطية: ولم أقف لأحد من النحويين على ما قال.
وقال في قول الطبري: وهذا أيضًا قول غريب.
الثالث: أنها متصلة، وهو قول الزمخشري.
قال الزمخشري بعد أن جعلها منقطعة، وجعل الخطاب للمؤمنين قال بعد ذلك: وقيل: الخطاب لليهود؛ لأنهم كانوا يقولون: ما مات نبي إلا على اليَهُودية، إلا أنهم لو شهدوه، وسمعوا ما قاله لبنيه، وما قاله لظهر لهم حرصُه على ملّة الإسلام، وَلَمَا ادَّعوا عليه اليهودية، فالآية الكريمة مُنَافية لقولهم، فكيف يقال لهم: أم كنتم شهداء؟
ولكن الوجه أن تكون {أم} متصلة على أن يقدر قبلها محذوف كأنه قيل: أَتَدَّعُون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء، يعني أن أوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له إذْ أراد بنيه على التوحيد وملّة الإسلام، فما لكم تَدَّعُونَ على الأنبياء ما هم منه براء؟
قال أبو حيان: ولا أعلم أحدًا أجاز حذف هذه الجملة، لا يحفظ ذلك في شعر ولا غيره، لو قلت أم زيد تريد: أقام عمرو وأم زيد لم يجز، وإنما يجوز حذف المعطوف عليه مع الواو والفاء إذا دلّ عليه دليل كقولك: بلى وعمرًا لمن قال: لم يضرب زيدًا، وقوله تعالى: {فانفجرت} [البقرة: 60] أي فضرب فانفجرت، وندر حذفه مع أو؛ كقوله: الطويل:
فَهَلْ لَكَ أَوْ مِنْ وَالِدٍ لَكَ قَبْلَنَا

أي: من أخ أو والد، ومع حمتى كقوله: الطويل:
فَوَعَجَبَا حَتَّى كُلَيْبٌ تُسُبُّنِي ** كَأَنَّ أَبَاهَا نَهْشَلٌ أَوْ مُجَاشِعُ

أي: يسبني الناسُ حتى كليبٌ، على نظر فيه، وإنما الجائز حذف أم مع ما عطفت كقوله: الطويل:
دَعَانِي إِلَيْهَا الْقَلْبُ إِنِّي لأَمْرِهِ ** سَمِيعٌ فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلاَبُهَا

أي: أم غَيٌّ، وإنما جاز ذلك؛ لإن المستفهم على الإثبات يتضمنّن نقيضه، ويجوز حذف الثواني المقابلات إذا دلّ عليها المعنى، ألا ترى إلى قوله: {تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81] كيف حذف والْبَرْدَ. انتهى.
و{شهداء} خبر كان، وهو جمع شاهد أو شهيد، وقد تقدم أول السورة.
قوله: {إذ حضر} إذ منصوب بشهداء على أنه ظرف لا مفعول به أي: شهداء وقت حضور الموت إياه، وحضور الموت كناية عن حضور أسبابه مقدماته؛ قال الشاعر: البسيط:
وَقُلْ لَهُمْ بَادِرُوا بِالعُذْرِ وَالْتَمِسُوا ** قَوْلًا يُبَرِّئُكُمْ إِنِّي أَنَا الْمَوْتُ

أي: أنا سببه، والمشهور نصب {يعقوب}، ورفع {الموت}، قدم المفعول اهتمامًا وقرأ بعضهم بالعكس.
وقرئ: {حَضِر} بكسر الضاد، قالوا: والمضارع يَحْضُر بالضم شاذ، وكأنه من التداخل وقد تقدم.
قوله: {إذْ قَالَ}، {إذ} هذه فيها قولان:
أحدهما: بدل من الأولى، والعامل فيها، إما العامل في {إذ} الأولى إن قلنا: إن البدل لا على نية تكرار العامل، أو عامل مضمر إن قلنا بذلك.
الثاني: أنها ظرف ل {حضر}.
قوله: {مَا تَعْبُدُونَ}، ما اسم استفهام في محلّ نصب؛ لأنه مفعول مقدم بتعبدون، وهو واجب التقديم؛ لأن له صدر الكلام.
قوله: {إلهًا واحدًا} فيه ثلاثة أَوْجُهٍ:
أحدها: أَنَّهُ بَدَلٌ من {إلهك} بدل نكرة موصوفة من معرفة كقوله: {بالناصية نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} [العلق: 1516].
والبصريون لا يشترطون الوصف مستدلين بقوله: الوافر:
فَلاَ وَأَبِيكِ خَيْرٍ مِنْكِ إِنِّي ** لَيُؤْذِينِي التَّحَمْحُمُ والصَّهِيلُ

فخير يدلٌ من أبيك، وهو نكرةٌ غيرُ موصوفةٍ.
والثاني: أنَّهُ حال من {إلهك} والعامل فيه {نعبد}، وفائدة البدل الحال التنصيص على أنَّ معبودهم فَرْدٌ إذْ إضافة الشيء إلى كثير تُوهِم تَعْدَادَ المضاف، فنصَّ بها على نفي ذلك الإبهام. وهذه الحال تمسى حالًا مُوَطِّئة، وهي أن تذكرها ذاتًا موصوفة، نحو: جاء زيد رجلًا صالحًا.
الثالث: وإليه نَحَا الزَّمَخْسَرِيُّ: أن يكون منصوبًا على الاختصاص، أي: نريد بإلهك إلهًا واحدًا.
قالوا: أبو حيَّان رحمه الله: وقد نصّ النحويون على أن المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرةً ولا مبهمًا.
قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} في هذه الجملة ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أنَّها معطوفةٌ على قوله: {نعبد} يعني: أنها تتمّةٌ جوابهم له، فأجابوه بزيادة.
والثاني: أنهَّا حال من فاعل {نعبد}، والعامل {نعبد}.
والثالث: وَإليه نَحَا الزَّمخشري: ألاَّ يكون لها محل، بل هي جملة اعتراضيّة مؤكدة، أي: ومن حالنا أنَّا له مخلصون.
قال أبو حيّان: ونصّ النحويون على أنَّ جملة الاعتراض هي التي تفيد تقويةً في الحكم، أمّا بين جزئَيْ صلة وموصول؛ كقوله: البسيط:
مَاذّا وَلاَعَتْبَ في المَقْدُورِ رُمْتَ أَمَا ** يَكْفِيكَ بِالنُّجْحِ أمْ خُسْرٌ وتَظْلِيلُ

وقوله: الكامل:
ذَاكَ الَّذِي وأَبِيكَ يَعْرِفُ مالِكًا ** وَالحَقُّ يَدْفَعُ تُرَّهَاتِ البَاطِلِ

أو من مُسْنَد ومُسْنَد إليه كقوله: الطويل:
وَقَدْ أَدْرَكَتْنِي والحَوَادِثُ جَمَّةٌ ** أَسِنَّةٌ قَوْمٍ ضِعَافٍ وَلاَ عُزْلِ

أو بين شرط وجزاء، أو قسم وجوابه، مما بينهما تلازم.
وهذه الجملة قبلها كلامٌ مستقل عمّا بعدها، لا يُقَال: إنَّ بين المشار إلَيْهِ وبين الإخبار عنه تلازمًا؛ لأنَّ ما قبلها من مقول بني يعقوب، وما بعدها من كلام الله تعالى، أخبر بها عنهم، والجملة الاعتراضية إنما تكون من الناطق بالمتلازمين لتوكيد كلامه. انتهى ملخصا.
وقال ابن عطية: {ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ابتداء وخبر، أي: كذلك كنا، ونحن نكون.
قال أبو حيان: يظهر منه أنَّهُ جعل هذه الجملة عطفًا على جملةٍ محذوفة، ولا حاجة إليه. اهـ. باختصار.

.فروق لغوية دقيقة:

.الفرق بين الولد والابن:

أن الابن يفيد الاختصاص ومداومة الصحبة ولهذا يقال ابن الفلاة لمن يداوم سلوكها وابن السرى لمن يكثر منه وتقول تبنيت ابنا إذا جعلته خاصا بك ويجوز أن يقال إن قولنا هو ابن فلان يقتضي أنه منسوب إليه؛ ولهذا يقال الناس بنو آدم لأنهم منسوبون إليه وكذلك بنو إسرائيل، والابن في كل شيء صغير فيقول الشيخ كانوا يسمعون أممهم أبناءهم ولهذا كني الرجل بأبي فلان وإن لم يكن له ولد على التعظيم والحكماء والعلماء يسمون المتعلمين أبناءهم، ويقال لطالبي العلم أبناء العلم، وقد يكنى بالابن كما يكنى بالأب كقولهم ابن عرس وابن تمرة وابن آوى وبنات طبق وبنات نعش وبنات وردان.
وقيل أصل الابن التأليف والاتصال من قولك بنية وهو مبني وأصله بني وقيل بنو ولهذا جمع على أبناء فكان بين الأب والابن تأليف والولد يقتضي الولادة ولا يقتضيها الابن، والابن يقتضي أبا يقتضي والدا ولا يسمى الإنسان والدا إلا إذا صار له ولد وليس هو مثل الأب لأنهم يقولون في التكنية أبو فلان وإن لم يلد فلانا ولا يقولون في هذا والد فلان إلا أنهم قالوا في الشاة والد في حملها قبل أن تلد وقد ولدت إذا ولدت يقال الابن للذكر والولد للذكر والأنثى. اهـ.

.تفسير الآية رقم (134):

قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان في ذلك أعظم تسجيل عليهم بأنهم نابذوا وصية الأصفياء من أسلافهم ومرقوا من دينهم وتعبدوا بخلافهم وكان من المعلوم قطعًا أن الجواب أنهم ما شهدوا ذلك ولا هم مسلمون عبر عنه بقوله: {تلك أمة قد خلت} أي قبلكم بدهور لم تشهدوها، ونبه على أنهم عملوا بغير أعمالهم بقوله: {لها} أي الأمة {ما كسبت} أي من دين الإسلام خاص بها لا شركة لكم فيه {ولكم ما كسبتم} أي مما أنتم عليه من الهوى خاص بكم لا يسألون هم عن أعمالكم {ولا تسألون} أي أنتم {عما كانوا يعملون}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {تلك أمة قد خلت} قال: يعني إبراهيم وإسمعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة البقرة: الآيات 124- 125]:

{وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}.
{ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ} اختبره بأوامر ونواه. واختبار اللَّه عبده مجاز عن تمكينه عن اختيار أحد الأمرين: ما يريد اللَّه، وما يشتهيه العبد، كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك. وقرأ أبو حنيفة رضى اللَّه عنه وهي قراءة ابن عباس رضى اللَّه عنه: {إبراهيمُ ربَّه} رفع إبراهيم ونصب ربه. والمعنى: أنه دعاه بكلمات من الدعاء فعل المختبر هل يجيبه إليهنّ أم لا؟ فإن قلت: الفاعل في القراءة المشهورة يلي الفعل في التقدير، فتعليق الضمير به إضمار قبل الذكر. قلت: الإضمار قبل الذكر أن يقال: ابتلى ربه إبراهيم. فأما ابتلى إبراهيم ربه، أو ابتلى ربه إبراهيم، فليس واحدًا منهما بإضمار قبل الذكر. أما الأوّل فقد ذكر فيه صاحب الضمير قبل الضمير ذكرا ظاهرا. وأما الثاني فإبراهيم فيه مقدّم في المعنى، وليس كذلك: ابتلى ربه إبراهيم. فإن الضمير فيه قد تقدم لفظا ومعنى فلا سبيل إلى صحته. والمستكن في {فَأَتَمَّهُنَّ} في إحدى القراءتين لإبراهيم بمعنى: فقام بهنّ حق القيام وأدّاهنّ أحسن التأدية من غير تفريط وتوان. ونحوه {وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى} وفي الأخرى للَّه تعالى بمعنى فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئا. ويعضده ما روى عن مقاتل أنه فسر الكلمات بما سأل إبراهيم ربه في قوله: {رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَدًا آمِنًا}، {وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}، {وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ}.
{رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا} فإن قلت: ما العامل في إذ؟ قلت: إما مضمر نحو: واذكر إذ ابتلى أو وإذا ابتلاه كان كبت وكيت، وإما قالَ إِنِّي جاعِلُكَ. فإن قلت: فما موقع قال؟ قلت: هو على الأوّل استئناف، كأنه قيل: فما ذا قال له ربه حين أتم الكلمات؟ فقيل: قال إنى جاعلك للناس إماما.
وعلى الثاني جملة معطوفة على ما قبلها. ويجوز أن يكون بيانا لقوله: {ابْتَلى} وتفسيرًا له فيراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت ورفع قواعده. والإسلام قبل ذلك في قوله: {إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ} وقيل في الكلمات: هنّ خمس في الرأس: الفرق، وقص الشارب، والسواك، والمضمضة والاستنشاق. وخمس في البدن: الختان، والاستحداد، والاستنجاء، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط. وقيل ابتلاه من شرائع الإسلام بثلاثين سهما: عشر في براءة {التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ}، وعشر في الأحزاب {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ}، وعشر في المؤمنون وسأل سائل إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ} وقيل هي مناسك الحج، كالطواف والسعى والرمي والإحرام والتعريف وغيرهنّ. وقيل: ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس والختان وذبح ابنه والنار والهجرة.
والإمام اسم من يؤتم به على زنة الآلة، كالإزار لما يؤتزر به، أى يأتمون بك في دينهم وَمِنْ ذُرِّيَّتِي عطف على الكاف، كأنه قال: وجاعل بعض ذريتي، كما يقال لك: سأكرمك، فتقول: وزيدا.
{لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} وقرئ: {الظالمون}، أى من كان ظالما من ذرّيتك. لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة، وإنما ينال من كان عادلا بريئا من الظلم.
وقالوا: في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة. وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته، ولا تجب طاعته ولا يقبل خبره، ولا يقدّم للصلاة. وكان أبو حنيفة رحمه اللَّه يفتي سرًا بوجوب نصرة زيد بن عليّ رضوان اللَّه عليهما، وحمل المال إليه، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمى بالإمام والخليفة، كالدوانيقى وأشباهه. وقالت له امرأة: أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد اللَّه بن الحسن حتى قتل. فقال: ليتني مكان ابنك. وكان يقول في المنصور وأشياعه: لو أرادوا بناء مسجد وأرادونى على عدّ آجره لما فعلت. وعن ابن عيينة: لا يكون الظالم إماما قط. وكيف يجوز نصب الظالم للامامة، والإمام إنما هو لكف الظلمة. فإذا نصب من كان ظالما في نفسه فقد جاء المثل السائر: من استرعى الذئب ظلم.
{والْبَيْتَ} اسم غالب للكعبة، كالنجم للثريا {مَثابَةً لِلنَّاسِ} مباءة ومرجعًا للحجاج والعمار، يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه أى يثوب إليه أعيان الذين يزورونه أو أمثالهم {وَأَمْنًا} موضع أمن، كقوله: {حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} ولأن الجاني يأوى إليه فلا يتعرض له حتى يخرج.
وقرئ: {مثابات}، لأنه مثابة لكل من الناس لا يختص به واحد منهم {سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ} وَاتَّخِذُوا على إرادة القول، أى وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه. وهو على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أنه أخذ بيد عمر فقال: «هذا مقام ابراهيم» فقال عمر: أفلا نتخذه مصلى يريد أفلا نؤثره لفضله بالصلاة فيه تبركا به وتيمنا بموطئ قدم إبراهيم فقال: «لم أومر بذلك، فلم تغب الشمس حتى نزلت». وعن جابر بن عبد اللَّه أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم استلم الحجر ورمل ثلاثة أشواط ومشى أربعة، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} وقيل: مصلى مدعى. ومقام إبراهيم: الحجر الذي فيه أثر قدميه، والموضع الذي كان فيه الحجر حين وضع عليه قدميه، وهو الموضع الذي يسمى مقام إبراهيم. وعن عمر رضى اللَّه عنه أنه سأل المطلب بن أبى وداعة: هل تدرى أين كان موضعه الأوّل؟ قال: نعم، فأراه موضعه اليوم. وعن عطاء {مَقامِ إِبْراهِيمَ} عرفة والمزدلفة والجمار، لأنه قام في هذه المواضع ودعا فيها. وعن النخعي: الحرم كله مقام إبراهيم.
وقرئ {واتخذوا} بلفظ الماضي عطفا على: {جَعَلْنَا} أى واتخذ الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به وإسكان ذرّيته عنده قبلة يصلون إليها {عَهِدْنا} أمرناهما {أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ} بأن طهرا، أو أى طهرا. والمعنى طهراه من الأوثان والأنجاس وطواف الجنب والحائض والخبائث كلها، أو أخلصاه لهؤلاء لا يغشه غيرهم {وَالْعاكِفِينَ} المجاورين الذين عكفوا عنده، أى أقاموا لا يبرحون، أو المعتكفين. ويجوز أن يريد بالعاكفين الواقفين يعنى القائمين في الصلاة، كما قال: {لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، والمعنى: للطائفين والمصلين، لأنّ القيام والركوع والسجود هيآت المصلى.